بســـــــــــــ الله الرحمن الرحيم ــــــــــــــــم
لا شك أن الضرب أسلوب من أساليب التربية، بشرط أن يكون وفق الشريعة الإسلامية وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رسمه لنا.. لكن متى نلجأ إليه؟! إذا ضاقت بنا السبل ونفدت كل الأساليب.. لجأنا إليه دون تهور، ووفقًا لشروطه وقوانينه..
أما المربون الذين يعتمدون عليه دائمًا. فهو دليل على عجزهم وفقرهم الشديد لفن الحديث وأصول الحوار السليم، وعدم القدرة على الإقناع، واستعجالهم للنتائج التي لن يحققوا منها شيئًا سوى سلبيات تلحق بهم..وتزيد الضرر ضررًا.
ومن أبرز تلك الأضرار
ـ فقد الثقة بين المربي والابن لون يكون قدوة مهما فعل.
ـ اهتزاز شخصية الابن أمام الناس وسيطرة الخجل والرعب عليه.
ـ زيادة عناد الطفل واستمراره في الخطأ وإصراره عليه.
ـ انطفاء جذوة الخير والجوانب الإيمانية التي كان يمارسها الابن قبل الضرب.
ـ قتل روح الإبداع والمبادرة والتجديد، وأن يستبدل بذلك الخمول والجمود.
ـ البحث عن الأصدقاء الذين يوافقونه في عاداته السيئة، مما يوقعه فريسة سهلة في أيدي رفقاء السوء.
ـ تعويد الابن ممارسة هذا الأسلوب مع أقرانه وإخوانه في صغره، ومع أبنائه وطلابه في كبره.
ـ بالإضافة إلى الأمراض النفسية والجسدية.
فقبل أن تلجأ إلى هذا الأسلوب ـ أيها المربي ـ اعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم واختر الوقت المناسب، وإذا ضاقت بك الحيل فارفع يديك لله تعالى واستغفره وادع لابنك بالهداية وحسن الخلق.
ضرب الطفل يعني خسارته..!
لا يدرك بعض الآباء وهو يصب جام غضبه على ابنه أنه يخسر فيه شيئًا ثمينًا.. إما أن يتعلق بشخصيته أو في جسده... فيضيع أمانة عظيمة وهبه الله إياها ولم يرعها حق رعايتها.. ولا شك أنه سيسأل عنها..
حول هذه الخسارة ذكر الدكتور 'سليمان الفولي' ـ أستاذ الطب النفسي ـ أن ضرب الأطفال المتواصل قد يدخلهم مصحات الأمراض العقلية أو مؤسسات الأحداث، ومستقبلاً يؤدي إلى ارتكابهم الجريمة ودخولهم السجن؛ نظرًا للحقد الذي يتركه في نفوسهم.
وأضاف أن الضرب يؤدي إلى عدة أمراض، منها:
الاضطراب النفسي، والتأتأة في الكلام، والفزع الليلي، والتبول اللاإرادي، ونوبات الإغماء المتكررة، والخوف المرضي، والتأخر الدراسي والاكتئاب، وتموت قدراته إذ إن قدرات الطفل تتغذى بالتشجيع وتضمر وتموت بالضرب.
فاحذر أيها المربي من أن تخسر طفلك.. بضربك له.. وتذكر أن كثرة الضرب تؤدي إلى نتائج يمكن الاستغناء عنها إذا استخدم كل من الأب والأم ما يسمى بالعقاب البديل وهو حرمان الطفل مما يحبه بدلاً من الإيذاء البدني الذي يؤدي إلى الأمراض النفسية.
الثواب والعقاب مطلوبان..
تربية الأطفال بالثواب والعقاب مطلوبة لكنها مؤطرة بشروط، ومقننة بقوانين.. وهذا ما ذكرته الدكتورة 'فايزة علي' اختصاصية في علم النفس فتقول: إن العقاب الذي يطلب تطبيقه في تربية الأبناء هو الذي لا يؤلم نفسيًا ولا يهدر الكرامة، وكل أسرة تختلف في طريقة التعامل مع أطفالها، فإذا كان الطفل شقيًا ويتحرك كثيرًا ويعبث بمقتنيات المنزل دون وعي أو إدراك، وفي تصوره أنه نوع من اللهو أو جذب الانتباه إليه فقد تتبع أسرته معه أسلوب الضرب والإهانة وتكون الشكوى منه دائمًا، ولو أدركت الأسرة أن الطفل إن لم يقدم على تلك الأفعال في هذه السن لأصبح حالة مرضية. فيجب عدم توبيخه ومعاقبته كلما صدر منه فعل مرفوض، بل يجب أن أدعم ثقته بنفسه وأظهر له مميزاته بدلاً من عقابه وإهمال السلبيات وإظهار الإيجابيات.
وتضيف: أنا من أنصار العقاب ولكن بحكمة أو أستخدم العقاب البديل للضرب وهو الحرمان.
قبل أن تعاقب..!!
أكدت الأبحاث في مجال تربية الطفل أنه يمكن استخدام العقاب كوسيلة لمنع سلوكيات الأبناء المرفوضة.. مثل اللعب في أسلاك الكهرباء أو مفاتيح الغاز وغيرها من الأشياء الخطرة.. وهذا ما ذكرته الأستاذة رشا عاشور، متخصصة في علم النفس.. فمن شروط العقاب أن يتم تطبقه عقب صدور السلوك المرفوض فورًا، ولا ينتظر مدة حتى يعاقب الطفل عليها، ويكون العقاب مناسبًا للموقف، أي حسب حجم الخطأ، ولابد أن يكون التحذير يسبق الخطأ، مثل التحذير من سكب الولد لكوب اللبن، ولابد أن يكون العقاب مباشرًا إذا تكرر الخطأ. كما يجب معاقبة الطفل من كلا الوالدين وليس واحدًا فقط حتى لا يشعر بالفارق أو عدم الثقة بأحد الوالدين هذا في حالة إذا كان العقاب بدنيًا.
أما العقاب بالحرمان وهو أفضل أسلوب، فهو حرمانه من المميزات التي يحبها مثل الألعاب والكمبيوتر، وعزله وحيدًا في غرفة خالية من ألعاب الترفيه، لكنها ليست مخيفة حتى لا تسبب له أزمة نفسية أو مغلقة الأبواب، أو حرمانه من التنزه، أو ممارسة بعض الألعاب التي يحبها، أو الحرمان المؤقت من المصروف، وكل ذلك يكون بصورة مقننة؛ لأن العقاب الشديد في الصغر يسبب اهتزاز الشخصية في الكبر.
التأديب..
قال الكسائي في بدائع الصنائع: 'إن الصبي يعزو تأديبًا لا عقوبة؛ لأنه من أهل التأديب. ألا ترى إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا' ويكون ذلك بطريقة التأديب والتهذيب لا بطريقة العقاب'.
لا شك أن الطفل كأي كائن حي يجهل أكثر مما يعلم، فإذا علم فَعَلَ الصواب وسار سيرًا محمودًا. لذلك تكون مرحلة تعليمه من الصغر أولى الخطوات في تقوميه، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصحح البنى الفكرية للطفل مستعملاً شتى الأساليب التي تمتاز بالرفق واللين ومنها ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: 'كخ كخ، ارم بها أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة!!'
فإذا لم يصلح الطفل التصحيح الفكري أو العملي وأصر على ارتكاب الخطأ كان التأديب حتمًا لازمًا عليه، ويتبع معه العقوبات بالخطوات التالية:
1ـ رؤية الأطفال للعصا والخوف منها:
فرؤية العصا تردع الكثير من الأطفال فبمجرد إظهارها لهم يسارعون إلى التصحيح ويتسابقون في الالتزام، وتتقوم أخلاقهم وسلوكياتهم.
2ـ شد الأذن:
وهي أول عقوبة جسدية للطفل، فيتعرف في هذه المرحلة على ألم المخالفة فاستحق عليها شد الأذن.
3ـ الضرب وقواعده:
إذ لم تُجدِ مشاهدة العصا وشد الأذن ومازال الطفل مصرًا على المشاكسة والعناد جاءت المرحلة الثالثة وهي الضرب لكن بضوابط.
قواعد الضرب
1ـ أن يبدأ من سن العاشرة.
وذلك انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: 'مروا صبيانكم بالصلاة وهم أبناء سبعة واضربوهم عليها وهم أبناء عشرة'.
فمع أن الصلاة هي عمود الدين إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن بضرب الطفل على تقصيره قبل سنة العاشرة فكيف بباقي الأمور الحياتية التي لا تساوي الصلاة؟! تفكر أيها المربي.
2ـ أقصى الضربات عشر:
على المربي ألا يتجاوز في أي حال من الأحوال عن عشر ضربات لقوله عليه الصلاة والسلام: 'لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله..'.
3ـ طريقة الضرب:
يجب أن يكون الضرب بين الضربتين، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول للضارب: لا ترفع إبطك، أي لا تضرب بكل قوة يدك.
وهذا ما ذكره الشيخ الأنباري فقال في كيفية الضرب:
1ـ أن يكون مفرقًا لا مجموعًا في محل واحد.
2ـ أن يكون بين الضربتين زمن يخف فيه ألم الضربة الأولى.
3ـ ألا يرفع الضارب ذراعه لنقل السوط حتى يرى بياض إبطه حتى لا يعظم الألم.
هذه الضوابط التي وضعها الفقهاء هي من أجل أن يؤتي الضرب ثماره التربوية في التأديب فيتقدم الطفل نحو الأحسن لا الأسوأ.
مكان الضرب..
لا ينبغي أن يكون في موضع واحد من الجسد، بل ينبغي أن يفرق على الجسد كله حتى يأخذ كل عضو حقه، إلا الوجه والفرج والرأس، ويفضل الضرب على الرجلين.
وعلى المربي أن يبتعد في الضرب عن السب والشتم وتقبيح الطفل، وأن يرفع يده عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى. وأنت تضرب طفلك وتؤدبه وهو يتألم فإذا استجار بالله تعالى فيدعوك الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن تقف عن الضرب وترفع يدك وتترك الطفل. وفي هذا لفته رائعة فالطفل وصل إلى مرحلة الألم التي لم يعد يتحملها، واقتنع بخطئه وسيصلحه، أو وصل إلى مرحلة الانهيار النفسي أو الخوف الشديد، فالاستمرار بالضرب وحالة الطفل هذه تعد جريمة في صورة تربية الطفل.
فارفق أيها المربي بطفلك.. فهو زينة الحياة.. وفلذة الكبد وهبنا الله إياهم.. فارعهم وأحسن تربيتهم يرعوك في كبرهم